تغيير على مستوى الجذور نستطيع أن نؤمن به
بقلـم خالد دياب
كان أحد شعارات حملة باراك أوباما الناجحة “تغيير نستطيع أن نؤمن به”. ومع توليه الرئاسة، تغير كل شيء، إلا أن شيئاً لم يتغير بالنسبة لسياسة الولايات المتحدة الخارجية تجاه النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
قدم أوباما، مقارنة بسلفه، تحولاً كبيراً في لغة السياسة الخارجية، حيث تعهد الاعتماد بصورة أقل على التدخل العسكري وبصورة أكبر على الدبلوماسية العالمية والحوار. ولكن هذا التحول لا يعتبر هاماً وكبيراً بشكل كافٍ لإعادة إحياء عملية السلام وبدء تحرك جديد. لذا أعتقد شخصياً أن الأمر عائد للفلسطينيين والإسرائيليين ليجدوا طريقهم إلى الأمام.
يشكل خطاب الرئيس أوباما في مصر هذا الأسبوع جزءاً من توجهه الساحر نحو الفوز “بالقلوب والعقول” – ذلك التعبير المبتذل الذي استخدم بشكل زائد – في العالمي العربي والإسلامي. ويبدو أن جهود أوباما أخذت تؤتي ثمارها. فقد أظهر استطلاع أُجري مؤخراً أنه رغم كون ثلاثة أرباع العرب يعتبرون الولايات المتحدة ثاني أعظم خطر وتهديد في العالم، تتراوح نسبة الموافقة على أوباما حول 45%، وهو تحسن ضخم مقابل وضع جورج دبليو بوش، الذي أعتبر أول أو ثاني شرير في العالم.
أدى هذا التغيير في اللهجة، إضافة إلى مؤشرات برزت مؤخراً بتوجه أكثر نشاطاً وعملية حيال النزاع الإسرائيلي الفلسطيني إلى كم معين من التفاؤل في بعض النواحي. وقد فسّر عماد جاد في صحيفة الأهرام الأسبوعية المصرية إصرار أوباما على تجميد عملية بناء المستوطنات على أنها مؤشر بأن “الدولة الفلسطينية المستقلة هي احتمال أكيد”.
أجد من الصعب، عند هذا المفترق على الأقل، أن أشارك الكاتب تفاؤله. قد يكون أوباما مختلفاً عن بوش اختلاف النار عن الأرض، ولكن الولايات المتحدة التي يقودانها ليست مختلفة إلى هذه الدرجة الجوهرية. أحد الأسباب الرئيسية لانهيار عملية السلام هي أن واشنطن لم تنجح أبداً في لعب دور وسيط صادق غير منحاز. ما هي احتمالات أن يضغط أوباما، الذي يصف نفسه بأنه “صديق إسرائيل” على دولة يتزعمها بنيامين نتنياهو اليميني الذي يتمتع بشعبية، ونائبة الديماغوجي ووزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، لتقديم التنازلات الضرورية من أجل التوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين، خاصة مع وجود حماس المتطرفة بشكل مماثل، تقبع وسط القيادة الفلسطينية؟ من المفيد هنا أن نتذكر أنه بحسب البعض، فقد تم تخريب عملية أوسلو إلى درجة كبيرة من قبل نتنياهو وحماس.
يأمل البعض أن يتمكن أوباما من الاستفادة إلى أقصى حد ممكن من دور الوساطة الذي تلعبه مصر منذ مدة طويلة في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. إلا أن القاهرة، مثلها مثل واشنطن، لديها مشكلتها الخاصة في المصداقية، إذ لا يثق بها اليمين في كل من إسرائيل وفلسطين. إضافة إلى ذلك، أدى إغلاق معبر رفح الذي زاد من معاناة الفلسطينيين إلى إذكاء الشعور بخيبة أمل كبيرة من طرف الفلسطينيين، والغضب في الشارع المصري.
وفي الحقيقة، يشعر المصريون ذوو العقلية الإصلاحية بخيبة أمل بزيارة أوباما لأنها تعبّر ضمنياً عن الدعم لنظام غير شعبي يعاني من عجز مزمن في الشرعية. “كان بعضنا يأمل بعلاقة أكثر فتوراً بين إدارة الرئيس أوباما والنظام المصري”، يقول كريم مدحت، وهو شاب مصري يعمل في مجال تقديم المعونة للاجئين.
برأيي أن ما يحتاجه الشرق الأوسط، وخاصة القضية الإسرائيلية الفلسطينية، ليس مزيداً من المشاركة الأمريكية، بل مشاركة أقل. التغيير الذي يبقى هو التغيير العضوي الذي يأتي من الداخل. ولا تحتاج واشنطن، حتى تساعد هذه العملية، أن تعارض النظام في القاهرة أو الرياض بنشاط، وإنما لأن تسحب دعمها الحالي مثل الدعم العسكري لمصر والذي يبلغ 1,3 مليار دولار سنوياً. وبالمثل، يتوجب على الفلسطينيين والإسرائيليين أن يجدوا الطريق الخاص بهم نحو السلام. والأسلوب الذي يمكن للولايات المتحدة من خلاله مساعدة هذا التوجه هو إزالة تأثيرها الضخم الذي يشّوه الوضع، مثل المعونة العسكرية البالغة 3 مليارات دولار التي تقدمها إلى إسرائيل كل سنة.
وبما أن الدينامية بين اللاعبين، خصوماً أكانوا أم وسطاء، بالكاد تغيرت منذ قدوم أوباما على مسرح الأحداث، أعتقد أن الوقت قد حان لأن يتخلى الناس عن الحلول من الأعلى إلى الأسفل للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني. تقدم الجهود التدريجية على مستوى الجذور، عند هذه النقطة، أفضل أمل بتحقيق اختراق. أحد الخيارات التي طالما دافعت عنها في كتاباتي هو تحويل النزاع إلى كفاح اجتماعي سياسي تدريجي يتعامل مع الحقوق المدنية الأساسية، مثل حرية التنقل والحركة والحق بالعيش بأمن وسلامة والحق في التعليم والحصول على فرص العمل وحق التصويت والحق في المواطَنة والجنسية، بدلاً من مفاهيم مجردة كالقومية وقضايا شائكة حول الحدود.
سوف تعمل حركة حقوق مدنية أساسية على تحسين الوضع على الأرض، وتستطيع أن تزيل تدريجياً القومية البشعة الاستثنائية التي أذكت نار هذا النزاع خلال العقود الستة الماضية.
مصدر المقال: خدمة Common Ground الإخبارية 8 حزيران/يونيو 2009